يعيش النظام التربوي المغربي أزمة حقيقية في جودة التعلمات، وتتجلى هذه الأزمة في تدني مستوى التعلمات لدى أغلب المتعلمين، خاصة في المواد الأساسية كاللغات والرياضيات. ووفقًا لنتائج اختبارات PISA وTIMSS وPIRLS، يصنف المغرب ضمن الدول الأقل أداءً عالميًا، مع نسب مقلقة لضعيفي الأداء تجاوزت 70% في بعض المواد.
في خضم هذا السياق المقلق، بدأت تظهر حلول جديدة تتجاوز المقاربات التقليدية في التدريس والتقويم. من بين هذه المبادرات الواعدة برزت مقاربة طارل (TaRL)، التي تقوم على مبدأ بسيط ولكنه ثوري: “علّم الطفل انطلاقًا من مستواه، وليس من سنّه أو قسمه الدراسي”. هذه المقاربة الجديدة اعتمدتها مدارس الريادة الجديدة.
أولًا: ما هي مقاربة (TaRL)؟
TaRL هي اختصار لعبارة Teaching at the Right Level أي “التعليم وفق المستوى المناسب”، وهي مقاربة بيداغوجية طورتها منظمة Pratham الهندية، وتهدف إلى تجاوز الفكرة النمطية التي تربط المستوى الدراسي بالتقدم العمري، والتركيز بدلًا من ذلك على القدرات الفعلية لكل تلميذ، خصوصًا في المهارات الأساسية كفهم المقروء والعمليات الحسابية.
تركز هذه المقاربة على:
- تشخيص مستوى التلميذ بشكل دقيق من خلال تقييمات بسيطة.
- تجميع التلاميذ في مجموعات متجانسة حسب المستوى وليس حسب السن.
- تصميم أنشطة تعليمية موجهة تلبي احتياجات كل مجموعة.
- تحفيز التعلم النشط والمبني على التفاعل والممارسة.
ثانيًا: لماذا يحتاج المغرب إلى TaRL؟
1. لأن التعلمات الأساسية غير مكتسبة
تشير الدراسات إلى أن آلاف التلاميذ المغاربة يصلون إلى المستويات الإعدادية دون أن يمتلكوا الكفاءات الأساسية في القراءة والرياضيات، ما يجعلهم عرضة للتسرب والفشل المدرسي.
2. لأن الأقسام الدراسية غير متجانسة
في الواقع، تضم كل حجرة دراسية تلاميذ بمستويات مختلفة من حيث الفهم والمهارات، لكن البرامج التعليمية والمناهج لا تأخذ بعين الاعتبار هذا التنوع، بل تُقدَّم بشكل موحّد للجميع، مما يزيد الفجوة بين المتعلمين.
3. لأن المعلمين يحتاجون إلى أدوات فعالة
تمنح مقاربة TARL للمدرّسين آلية عملية للتعامل مع الفوارق بين المتعلمين داخل القسم، من خلال تنظيمهم في مجموعات صغيرة، وتصميم أنشطة موجهة تستجيب لحاجياتهم الفعلية.
ثالثًا: تجربة طارل في المغرب
1. مشروع تجريبي واعد
في شتنبر 2022، أطلق المغرب مشروعًا تجريبيًا لمقاربة طارل في 250 مؤسسة تعليمية موزعة بين الحواضر والقرى، واستفاد منه حوالي 12.000 تلميذ من المستويات الثالثة والرابعة والخامسة ابتدائي.
2. مراحل التنفيذ
- التكوين: تم اختيار وتأهيل “الأساتذة ” تلقوا تدريبًا متخصصًا على مدار 15 يومًا.
- التشخيص: أُجريت اختبارات بسيطة لتحديد مستوى كل تلميذ في اللغة والحساب.
- التجميع: تم توزيع التلاميذ على مجموعات حسب مستوى المهارات وليس القسم الدراسي.
- التنفيذ: تم تطبيق أنشطة طارل المكثفة لمدة 3 أسابيع متتالية.
3. النتائج الأولية
شهد المشروع التجريبي تحسنًا ملحوظًا في مستوى التلاميذ:
- في الطرح، ارتفعت نسبة التمكن من 10% إلى 61% (السنة الرابعة).
- في القراءة بالعربية، من 23% إلى 54%.
- في الفرنسية، من 5% إلى 20%.
كما سُجّل تقليص كبير في الفجوة بين التلاميذ ضعيفي الأداء وزملائهم، مما يُبرز فعالية المقاربة في تقليص الفوارق الداخلية في القسم.
رابعًا: مميزات مقاربة TARL
✅ بساطة التقييم
تعتمد طارل على أدوات تقييم بسيطة وسريعة تمكن المعلم من تصنيف التلاميذ دون الحاجة إلى اختبارات معقدة أو زمن طويل.
✅ تعليم متمركز حول التلميذ
تجعل طارل من التلميذ محور العملية التعليمية، حيث يُدرّس وفق قدراته لا وفق المنهاج الموحد للجميع.
✅ مرونة في التنفيذ
يمكن تطبيق طارل في الأقسام متعددة المستويات أو المكتظة، شرط وجود تنظيم داخلي وتخطيط جيد.
✅ دعم التفاعل والنشاط
تشجع طارل على التعلم التعاوني، والممارسة المباشرة، والتفاعل بين التلاميذ، ما يجعل التعلم أكثر حيوية وفعالية.
خامسا: مبادئ التعلم وفق مقاربة (TaRL)
ترتكز مقاربة طارل على مجموعة من المبادئ البيداغوجية والإنسانية التي تجعل منها مقاربة فعّالة ومتميزة في معالجة فقر التعلمات، ومن أهم هذه المبادئ:
1. التعلم يبدأ من مستوى المتعلم الحقيقي
الركيزة الأساسية في طارل هي تحديد المستوى الفعلي لكل متعلم، وليس الاكتفاء بالمستوى الدراسي الرسمي أو العمر الزمني. فالتعليم يجب أن يُبنى انطلاقًا من ما “يعرفه المتعلم فعلًا”، وليس مما يُفترض أنه يعرفه.
2. كل طفل قادر على التعلم
تؤمن TARL بأن جميع الأطفال قادرون على التعلم إذا توفرت لهم الظروف المناسبة، والدعم الملائم، والزمن الكافي. لا يُصنَّف الطفل في طارل كـ”ضعيف” بل كـ”متعلم يحتاج إلى مسار مختلف”.
3. التعلم المتدرج والمبني على تراكم المهارات
تُقدَّم الأنشطة التعليمية في TARL بشكل متسلسل ومتدرج، حيث يُنتقل من البسيط إلى المعقد، ومن الملموس إلى المجرد. فالتلميذ لا ينتقل إلى مهارة جديدة حتى يُتقن السابقة.
4. التعلم النشط والممارس
تقوم TARL على أنشطة تفاعلية ومجسدة (لعب أدوار، كتابة على السبورة، أنشطة جماعية…) بدل الطرق التقليدية القائمة على التلقين، مما يجعل المتعلم فاعلًا وليس متلقيًا.
5. التقويم المستمر والتغذية الراجعة
لا يُفصل التعليم عن التقييم في TARL، فكل حصة تتضمن تقويمًا بسيطًا وسريعًا يسمح للمعلم بتتبع التقدم، وإعادة توجيه الأنشطة، وتقديم تغذية راجعة فورية.
6. الدعم في جو من الثقة والتحفيز
تتم الأنشطة في طارل في بيئة خالية من الضغط أو المقارنة السلبية. الهدف هو بناء الثقة لدى التلميذ، وتشجيعه على المحاولة والتقدم وفق وتيرته الخاصة.
7. إشراك المتعلمين في عملية التعلم
تدفع طارل التلاميذ إلى المشاركة الفعلية في بناء المعرفة، من خلال الحوار، الأسئلة، والممارسة المستقلة، بدل الاعتماد الكلي على المعلم.
سادسا: تحديات تطبيق طارل في المغرب
🔸 البنية التحتية واللوجستيك
بعض المدارس تفتقر إلى فضاءات ملائمة لتقسيم التلاميذ إلى مجموعات، أو إلى العدد الكافي من المدرّسين أو المؤطرين.
🔸 ضعف التكوين الخاص
تطبيق طارل يحتاج إلى تكوين نوعي للمدرّسين في التشخيص، تخطيط الأنشطة، وتدبير الزمن والمجموعات.
🔸 صعوبة تقبّل التغيير
قد يواجه التطبيق مقاومة من بعض الفاعلين التربويين المعتادين على المناهج التقليدية، مما يستدعي تحسيسًا وانخراطًا مؤسساتيًا.
سابعا: كيف نُنجح تجربة TARL ونعممها؟
1. دمج TARL في السياسات العمومية
ينبغي إدراج مقاربة طارل ضمن خطة إصلاح التعليم 2022-2026، باعتبارها نموذجًا ناجحًا للمعالجة التربوية.
2. توسيع التجربة تدريجيًا
ينبغي تعميم المقاربة على مزيد من المؤسسات بشكل تدريجي، مع تتبع دقيق للنتائج وتقييم الأثر.
3. تكوين مستمر للمدرّسين
لابد من توفير برامج تكوين متخصصة ومستمرة في منهجية TARL، تتناول الجوانب النظرية والعملية.
4. تحفيز التلاميذ وتفادي الوصم
ينبغي تقديم TARL للتلاميذ كفرصة للتطور وليس كعقوبة أو تعويض عن “فشل”، عبر أنشطة ممتعة وتحفيزية.
الأسئلة الشائعة
ما هي مقاربة طارل؟
مقاربة طارل (Teaching at the Right Level) هي طريقة تربوية مبتكرة تقوم على تصنيف التلاميذ حسب مستواهم الحقيقي في المهارات الأساسية (كالقراءة والحساب) وليس حسب مستواهم الدراسي، مع تقديم تعليم موجه لكل مجموعة بناءً على مستواها، بهدف تقليص فقر التعلمات وتحقيق التعلم الفعلي.
ما معنى كلمة TARL؟
كلمة (TaRL) هي اختصار لعبارة “Teaching at the Right Level” أي “التدريس في المستوى المناسب”، وتعني التركيز على تعليم التلاميذ في المستوى الذي يناسب قدراتهم، بغض النظر عن المستوى الرسمي الذي يدرسون فيه.
ما هو نظام طارل؟
نظام TARL هو نظام تربوي تشخيصي وعلاجي يعتمد على:
- تقييم تشخيصي لمهارات التلاميذ،
- تجميعهم حسب مستواهم وليس سنهم أو مستواهم الدراسي،
- تدريسهم عبر أنشطة تفاعلية مناسبة لمستواهم،
- إعادة التقييم لملاحظة التحسن والانتقال للمستوى الأعلى.
ما هو الفرق بين طارل والتعليم الصريح؟
- TARL يركز على معالجة فقر التعلمات بالانطلاق من مستوى المتعلم الحقيقي دون افتراضات، عبر أنشطة مبنية على التفاعل والمستوى المكتسب.
- التعليم الصريح يعتمد على تقديم المعارف والمهارات بطريقة واضحة ومنهجية ومباشرة من المعلم، حيث يتم شرح القواعد والأمثلة بشكل صريح قبل التطبيق.
ما هو التعليم الصريح والفعال؟
هو تعليم يقوم على تقديم المحتوى بشكل واضح، ويعتمد على:
- شرح مباشر ومفسَّر للمفاهيم،
- تقديم نماذج وأمثلة،
- تدريبات منظمة وموجهة،
- تقييمات متكررة لتثبيت التعلم،
ويعد من الأساليب الفعالة خاصة في اكتساب المهارات الأساسية كالقراءة والرياضيات.
ماذا نقصد بالتعليم الصريح؟
نقصد به أسلوب تدريس يكون فيه دور المعلم محوريًا وقياديًا، حيث يقدم المعارف بشكل واضح ومنظم، ويشرح للمتعلمين ما يجب تعلمه، وكيف، ولماذا، مع تكرار وممارسة كافية للوصول إلى الإتقان.
ما هي مقاربة التعليم الصريح؟
هي مقاربة تربوية تركز على:
- تحديد الأهداف التعليمية بدقة،
- تقديم تعليم مباشر ومبسط،
- اعتماد التكرار المنظم،
- تصحيح الأخطاء فورًا،
- دعم المتعلمين تدريجيًا حتى الاستقلالية في التعلم.
ماذا يعني التدريس الصريح؟
التدريس الصريح يعني أن المعلم يشرح المفهوم مباشرة، يقدم نماذج، يوجه المتعلم في التطبيق، ثم يعطيه تدريبات فردية مع التغذية الراجعة، وهو يُعتبر من أكثر أساليب التدريس نجاعة في المراحل الأولى للتعلم.